فصل: وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ *** في هذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَإنْ ثُبُوتُ ضَرَرِ تَعَذَّرَا *** لِزَوْجَةٍ وَرْفعُهَا تَكَرَّرَا

‏(‏وإن‏)‏ شرط ‏(‏ثبوت ضرر‏)‏ فاعل بفعل محذوف يفسره ‏(‏تعذرا‏)‏ أي وإن تعذر ثبوت ضرر في إقامة البينة عليه ‏(‏لزوجة‏)‏ يتعلق به‏.‏ ورفعها‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏تكررا‏)‏ والجملة حال أي والحال إن رفعها للحاكم شاكية به تكرر‏.‏

فَالحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ *** بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ

‏(‏فالحكمان‏)‏ مبتدأ ‏(‏بعد‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو قوله ‏(‏يبعثان‏)‏ بضم الياء مبنياً للمفعول ‏(‏بينهما‏)‏ يتعلق بالمبتدأ المذكور، والجملة جواب الشرط أي فالحكمان بينهما يبعثان بعد تكرار شكواها، وسؤال القاضي جيرانها عن أمرها إن كان فيهم عدول وأسكنها معهم وعمي أمرها‏.‏ قال ابن سهل‏:‏ إذا شكت الزوجة ضرر زوجها فالواجب أن تسئل بيان ضررها فلعله منعها من الحمام وتأديبها على ترك الصلاة فإن بينت ضرراً لا يجوز وقف عليه زوجها فإن أنكره أمرها بالبينة فإن عجزت وتكررت شكواها كشف القاضي عن أمرها جيرانها إن كان فيهم عدول فإن لم يكونوا فيهم أمر القاضي بإسكانها بموضع يكون له جيران عدول فإن كان من ضرره ما يوجب تأديبه أدبه وإن كان لها شرط في الضرر أمر لها بالأخذ به وإن عمي خبرها بعث الحكمين اه من ابن عرفة‏.‏

تنبيه‏:‏

ظاهر كلامه ككلام الناظم وابن سلمون وغيرهم أنه لا يجب على الزوج ضمان الضرر حيث أمرهما بالإسكان مع قوم صالحين فما يفعله القضاة اليوم من إلزامه بذلك وسجنه إن لم يجده خطأ صراح إذ لا مستند له فيما علمت على أن الضرر لا يمكن استيفاؤه من ضامنه فإن كان المراد به ضامن الطلب كما قال ‏(‏خ‏)‏ وبالطلب وإن في قصاص الخ‏.‏ فإنه يجب أن يبين ذلك للزوج وأنه إن عجز عنه لا يسجن لأجله إذ لا يسجن أحد فيما يترقب ثبوت ما يوجبه الحكم عليه‏.‏ ولم أقف على من قال به، وأما ضامن الفرض فهو من ضمان ما هو آيل للزوم كما قال ‏(‏خ‏)‏ بدين لازم أو آيل لكن لا يلزم إعطاء الضامن به بحيث إذا عجز عن إعطائه يسجن لأجله، وإنما معنى كلام الأئمة إذا طاع المضمون عنه به صح الضمان، ولم أقف أيضاً على من قال بإلزام الزوج بذلك قبل ترتب الفرض المذكور في ذمته، إذ لا يصير ديناً عليه قبل مضي زمنه، وحينئذ فلا يسجن لعجزه عن الضامن قبل ترتبه عليه ما لم يرد سفراً فيطلب بالكفيل حينئذ فإن فر طلقت عليه بعدم النفقة أو يباع ماله فيها إن كان له مال‏.‏ ولا يقال المرأة لا يلزمها أن تمكنه من الاستمتاع إلا بضامن في نفقتها لأن الاستمتاع في مقابلة النفقة فيكون ذلك من باب قول ‏(‏خ‏)‏ وداين فلاناً ولزم فيما ثبت الخ‏.‏ لأنا نقول إنما يكون لها منعها من نفسها إذا ثبت الضرر وأرادت القيام به كما مرّ والفرض ههنا أنه لم يثبت ومنعها من الاستمتاع حتى يعطيها ضامناً بنفقتها المستقبلة خلاف ظاهر كلام الأئمة، وخلاف ظاهر قول ‏(‏خ‏)‏ وليس لها منع نفسها وإن منعته من الدخول والوطء بعده الخ‏.‏ فإذا لم يكن لها منع نفسها فيما وجب لها الآن فأحرى فيما يجب في المستقبل فما يفعله القضاة اليوم من سجنه بالعجز عن ضامن الفرض المذكور لا مساعد له نقلاً‏.‏ وانظر ‏(‏ح‏)‏ عند قوله في النكاح‏:‏ أو على شرط يناقض المقصود يتبين ما ذكرناه، وانظر أيضاً عنه قوله في النفقات ولها طلبه بنفقة المستقبل الخ‏.‏ ‏(‏بمقتضى‏)‏ يتعلق بالخبر المتقدم ‏(‏القرآن‏)‏ أي حكماً من أهله وحكماً من أهلها‏.‏

إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا *** وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِما إنْ عُدِمَا

‏(‏إن وجدا‏)‏ شرط فيما قبله حذف جوابه للدلالة عليه ‏(‏عدلين‏)‏ حال من نائب وجدا لأن الظاهر أنها لا تتعدى لاثنين ههنا ‏(‏من أهلهما‏)‏ حال بعد حال ‏(‏والبعث‏)‏ مبتدأ ‏(‏ من غيرهما‏)‏ خبر أي كائن من غير أهلهما ‏(‏إن عدما‏)‏ بالبناء للمفعول شرط حذف جوابه للعلم به‏.‏ وحاصله؛ أن المرأة إذا تكررت شكواها بضرر زوجها فإن الحاكم يأمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته سكنهما بين قوم صالحين ولا تنقل للحاضرة كما مرّ أول الفصل، وكذا الحكم إن تكررت شكواه بها فإن شهد الجيران الذين تجوز شهادتهم أو القوم الصالحون الذين سكنوا بينهم بضرره بها فهو ما مر قبل هذه الأبيات‏.‏ وإن لم يشهدوا بشيء لكونهم أشكل عليهم أمرهما ولا زالت الزوجة تشتكي الضرر فإن الحاكم حينئذ يبعث حكمين فقيهين بذلك الأمر الذي ينظران فيه عدلين من أهلهما فإن عدم وجودهما من أهلهما أو وجدا ولكن كانا غير فقيهين أو غير عدلين أو عدلين فقيهين، ولكن تعذر بعثها بعث حكمين فقيهين عدلين من غير أهلهما فيدخلان عليهما المرة بعد المرة ويجتهدان في الإصلاح بينهما، ويخلو كل منهما بصاحبه إن كانا من أهلهما ويقول له‏:‏ ما تنقم منها أو منه وإن كان لك غرض فيها رددناها إليك صاغرة أو رددناه ويذكرانهما ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وسكنهما بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم وإن أشكل أي دام الإشكال بعث حكمين من أهلهما إن أمكن وبطل حكم غير العدل إلى أن قال‏:‏ وعليهما الإصلاح فإن تعذر فإن أساء الزوج طلقا بلا خلع، وبالعكس ائتمناه عليها أو خالعا له بنظرهما وإن أساء فهل يتعين الطلاق بلا خلع أو لهما أن يخالعا بالنظر وعليه الأكثر تأويلان الخ‏.‏ وانظر لو دام الإشكال بعد بعث الحكمين وطال الأمر ولا زالت الشكوى مترددة هل يخالعان بالنظر حيث لم تطلب عشرتهما أو يأتمناه عليها أو يرسل حكمين آخرين أو أمينة، إذ ربما لم يتبين للحكمين الأولين حالهما لتقصيرهما أو لعدم معرفتهما بالقرائن، إذ الضرر مما يعتمد فيه على الفراش ولا يعرفها إلا الفطن الناقد‏.‏ وهذا هو الظاهر‏.‏ وقوله‏:‏ وبالعكس ائتمناه عليها أي ما لم يرد فراقها وإلا فرقا ولا شيء لها من المهر، بل لو حكما عليها بأكثر من المهر جاز إن كان سداداً نقله ابن عرفة‏.‏

وَمَا بِهِ قَدْ حَكِمَا يُمْضىوَلا *** إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلاَ

‏(‏وما‏)‏ مبتدأ موصول ‏(‏به‏)‏ يتعلق بالصلة التي هي ‏(‏قد حكما‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏يمضى‏)‏ بالبناء للمفعول خبر ويحتمل أن يكون بفتح الياء وكسر الضاد مبنياً للفاعل بمعنى ينفذ ‏(‏ولا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏إعذار‏)‏ اسمها ‏(‏ للزوجين‏)‏ خبرها ‏(‏فيما‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏فعلا‏)‏ صلة ما والعائد محذوف أي فعلاه‏.‏ ابن عرفة عن الباجي‏:‏ وحكمهما على وجه الحكم لا الوكالة فينفذ وإن خالف مذهب من بعثهما جمعاً أو فرقاً‏.‏ ابن شاس وقيل‏:‏ بل هما وكيلان‏.‏ ابن عرفة‏:‏ ودلالة ابن الحاجب على عدم نفوذه على القول بالوكالة لا أعلمه في المذهب بحال، بل الجاري عليه غير ذلك حسبما يأتي إن شاء الله اه‏.‏ وفي المقدمات لا إعذار لأحد الزوجين فيما حكم به الحكمان لأنهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة، وإنما يحكمان بما خلص إليهما من علم أحوالهما بعد النظر والكشف نقله ‏(‏م‏)‏ ونقله ابن عرفة بلفظ‏:‏ لأنهما لا يحكمان في ذلك بالبينة القاطعة، ومعناه والله أعلم أن الشارع جعل لهما أن يستندا لعلمهما فيما حكما به فليسا بشاهدين عند الغير بما علما حتى يعذر فيهما وإلاَّ فكل شاهد إنما يشهد بما خلص إليه من أمر المشهود به، وفيه الإعذار على كل حال، وهذا على القول الأول، وأما على الثاني فإنهما نائبان عن القاضي كالموجهين للتحليف والحيازة ونحوهما فلا إعذار أيضاً كما مر، وفهم من قوله‏:‏ حكماً الخ‏.‏ أنه لو انفرد أحدهما بالحكم بالطلاق أو بغيره لم ينفذ ولو اجتمعا عليه بعد وهو كذلك كما في ابن عرفة عن اللخمي وإن اجتمعا على الطلاق واختلفا في كونه على مال معلوم أو بلا شيء فإن لم تلتزم الزوجة للمال فلا طلاق وإن أوقعا أكثر من طلقة واحدة فلا تلزم إلا الواحدة‏.‏

فصل في الرضاع

هو لغة بفتح الراء وكسرها مع إثبات التاء وتركها من باب تعب في لغة نجد، ومن باب ضرب في لغة تهامة وأهل مكة يتكلمون بهما قاله في المصباح‏.‏ عياض‏:‏ وأرضعته أمه وامرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت مرضعة قال في الكافية‏:‏

وما من الصفات بالأنثى يخص *** عن تاء استغنى لأن اللفظ نص

وحيث معنى الفعل ينوي التاء زد *** كذي غدت مرضعة طفلاً ولد

وحاصله؛ أنه إن أريد أنها ترضع بالقوة فيجرد من التاء وإن أريد أنها ترضع بالفعل فتثبت التاء قاله ‏(‏م‏)‏‏.‏ وشرعاً قال ابن عرفة‏:‏ هو وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر، ثم علل تعريفه بالوصول الشامل للوصول من الفم وغيره بقوله‏:‏ لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع اه‏.‏ لكن لا بد أن يصل للجوف من منفذ واسع ولو ظناً أو شكاً وإن من أنف وهو السعوط بفتح السين لا من عين أو أذن فلو وصل للحلق ورد فلا‏.‏ ولا بد أن يحصل في الحقنة الغذاء به بالفعل، ولا تكفي المظنة ولا بد أيضاً أن يحصل قبل الاستغناء عنه بالطعام فإن استغنى ولو داخل الحولين فلا‏.‏

وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعاً بِالنَّسَبْ *** فَمِثْلُهَا مِنَ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ

‏(‏وكل من‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه ‏(‏تحرم‏)‏ صلة الموصول ‏(‏شرعاً‏)‏ تمييز أو منصوب على إسقاط الخافض وهو أظهر معنى ‏(‏بالنسب‏)‏ يتعلق بتحرم ‏(‏فمثلها‏)‏ مبتدأ ‏(‏من الرضاع‏)‏ حال منه على ضعف ‏(‏يجتنب‏)‏ بالبناء للمفعول خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه المبتدأ بالشرط في العموم والإبهام‏.‏ والمحرم شرعاً بالنسب سبع‏:‏ وهي المذكورات في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم أمهاتكم‏}‏ ‏(‏ النساء‏:‏ 23‏)‏ الآية والمحرم من الرضاع سبع أيضاً‏:‏ اثنان بالكتاب وهي الأم من الرضاع والأخت من الرضاع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 23‏)‏ والباقي بالسنة وهي البنت من الرضاع والعمات منه والخالات منه وبنت الأخ منه وبنت الأخت منه لقوله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏)‏‏.‏ فلما كان اللبن يحرم من قبل المرضعة ومن قبل الفحل نزلت المرضعة منزلة أم النسب فحرمت على الرضيع هي وبناتها وإن سفلن لأنهن أخوات للرضيع أو بنات أخت له وأخواتها لأنهن خالات وأمهاتها وإن علين لأنهن جدات له، ونزل الفحل منزلة الأب فحرم من قبله على الرضيع ما يحرم عليه من قبل أبي النسب فيحرم على ذلك الرضيع إن كان ذكراً أن يتزوج بأم أبيه من الرضاع وإن علت لأنها جدته، وبابنة أبيه منه لأنها أخته، وبأخت أبيه لأنها عمته، وبابنة أخته أو أخيه منه، وهكذا وإن كان الرضيع أنثى فيحرم عليها أن تتزوج بأبيها منه ولا بأبيه لأنه جدها وإن علا، وبأخي أبيها منه لأنه عمها وبأخيها وبابن أخيها وأختها منه وإن سفلوا، ولا تحرم الأم التي أرضعتك على أخيك ولا على أبيك وكذا بناتها‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وقدر الطفل خاصة ولداً لصاحبة اللبن ولصاحبة من وطئه لانقطاعه ولو بعد سنين الخ‏.‏ وقال في الرسالة‏:‏ ومن أرضعت صبياً فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر أخوات له ولأخيه نكاح بناتها اه‏.‏ وكذا نكاحها إذ لا رضاع بينه وبينها ولا نسب‏.‏ وحاصله أن زيداً إذا أرضعته هند مثلاً وزوجها خالد ولهما ابن اسمه عمرو فاجعل زيداً كعمرو في الحكم من غير فرق أصلاً، فكل من يحرم على عمرو يحرم على زيد، ويأتي قول ‏(‏خ‏)‏ في النكاح‏:‏ وحرام أصوله وفصوله الخ‏.‏ فكل ما تفرع من أبناء زيد فحكمهم حكم أبيهم زيد، وكذا ابن زيد رضاعاً أي من رضع في لبنه بخلاف أصول زيد وأخوته فلا تحرم عليهم هند ولا أخواتها ولا بناتها من أجل إرضاع زيد بل إن كان هناك سبب آخر للحرمة اعتبر من مصاهرة أو رضاع فكذلك وإلاَّ فلا، وبالجملة فالرضيع وفروعه نسباً ورضاعاً يحرم عليهم المرضعة وفروعها نسباً ورضاعاً، وكذا يحرم عليهم أصولها نسباً ورضاعاً، وكذا أصول بعلها وفروعه من غيرها نسباً ورضاعاً وإن علوا الأصول أو سفل الفروع في الجميل، وكذا يحرم عليهم حواشيها وحواشي بعلها، وأما أبناء حواشيها فلا يحرموا على الرضيع فضلاً عن فروعه كالنسب، وأما أصول الرضيع وحواشيه نسباً ورضاعاً فلا تحرم عليهم المرضعة ولا فروعها ولا أصولها ولا حواشيها وهم المستثنون وفي كلام ‏(‏خ‏)‏ وانظر بسط اعتراض ابن عرفة على ابن دقيق العيد في الاستثناء الذي أشار له ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ إلا أم أخيك الخ‏.‏ في الورقة السابعة والعشرين والمائة من أنكحة المعيار واعتراضه مناقشة لفظية لا غير، وبالجملة فوجه اعتراضه أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يحرم بالرضاع‏)‏ الخ‏.‏ أي بسبب الرضاع فالباء سببية ولا رضاع بينك وبين أم أخيك من الرضاع فلم تدخل معناه حتى يحتاج إلى استثنائها وأم أخيك من النسب لم تحرم من جهة كونها أم أخيك، بل من جهة أنها أمك أو زوجة أبيك، وهكذا والله أعلم‏.‏

فإنْ أقَرَّ الزَّوْجُ بالرِّضَاعِ *** فَهُوَ إلى فَسْخِ النِّكَاحِ دَاعي

‏(‏وإن أقر‏)‏ شرط ‏(‏الزوج‏)‏ فاعل ‏(‏بالرضاع‏)‏ يتعلق بفعل الشرط ‏(‏فهو‏)‏ مبتدأ عائد على الإقرار المفهوم من أقر ‏(‏إلى فسخ النكاح‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو قوله ‏(‏داعي‏)‏ والجملة جواب الشرط دلت عليه الفاء لأنه لا يصلح لأن يكون شرطاً، وظاهر النظم أنه يفسخ وجوباً قبل الدخول وبعده وهو كذلك، وسيأتي حكم ما إذا لم يقر ولكن يثبت ببينة ولو رجلاً وامرأة أو امرأتين إن فشا فإنه يفسخ أيضاً بعد الإعذار والعجز عن الدفع كما يفهم مما قبل هذا، لكن إن فسخ بالبينة فلا شيء لها قبل البناء وإن فسخ بعده فلها الصداق كله بخلاف ما إذا فسخ بالإقرار فلها الكل بعده والنصف قبله كما قال‏:‏

ويَلْزَمُ الصَّدَاقُ بالبِنَاءِ *** ونِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الابتناءِ

‏(‏ويلزم‏)‏ بالنصب ‏(‏الصداق‏)‏ فاعله ‏(‏بالبناء‏)‏ يتعلق بيلزم والجملة في محل جر معطوفة على فسخ ‏(‏ونصفه‏)‏ مبتدأ خبره قوله ‏(‏من قبل الابتناءِ‏)‏ والجملة معطوفة على الجملة قبلها أي فإقراره داع إلى فسخ النكاح وإلى لزوم كل الصداق بالبناء ولزوم نصفه من قبل الابتناء، وإنما لزمه النصف في الإقرار قبله لاتهامه على أنه إنما أقر ليسقط عنه نصف الصداق، ولذا لم يكن عليه شيء إذا أقام بينة على ما ادعاه من الرضاع أو على أنه كان يقر به قبل العقد أو صدقته المرأة في دعواه كما في المتيطية‏.‏

كَذَاكَ بالإقْرَارِ مِنْهُمَا مَعا *** لا بِاعْتِرَافِ زوجَةٍ إنْ وَقَعا

‏(‏كذاك‏)‏ يتعلق بفعل مقدر ‏(‏بالإقرار‏)‏ يتعلق بذلك المقدر ‏(‏منهما‏)‏ يتعلق بالإقرار ‏(‏معا‏)‏ حال أي كذلك يفسخ بإقرارهما معاً وظاهره أقرا معاً قبل العقد أو بعده، لكن إن فسخ قبل الدخول بسبب إقرارهما به قبل العقد أو بعده فلا شيء لها وإن دخل فلها المسمى إن كان أو صداق المثل سواء دخلا عالمين به أو جاهلين ثم تذكرا أو عالماً به هو وحده فإن علمت بالرضاع وحدها حين الدخول وأنكر هو العلم ولكن صدقها فيه فلها ربع دينار فقط لأنها غارة ‏(‏خ‏)‏ وفسخ نكاح المتصادقين عليه كقيام بينة على إقرار أحدهما قبل العقد ولها المسمى بالدخول إلا أن تعلم فقط فكالغارة الخ‏.‏ ‏(‏ لا‏)‏ عاطفة ‏(‏باعتراف‏)‏ معطوف على بإقرار ‏(‏زوجة‏)‏ مضاف إليه ‏(‏إن وقعا‏)‏ شرط حذف جوابه للدلالة عليه‏.‏ والجملة في محل جر صفة لاعتراف، ويحتمل أن يكون باعتراف متعلقاً بوقعا، والجملة معطوفة على مقدر قبلها أي كذلك يفسخ إن ثبت بإقرارهما لا إن وقع باعتراف زوجة، لكن يعكر عليه أن لا تعطف الجمل كما يرد على الأول أن الجملة الشرطية لا تكون وصفاً‏.‏ وظاهر النظم أن إقرارهما لا يوجب فسخاً ولو كان قبل العقد وليس كذلك، بل إقرارهما أو إقرار أحدهما قبل العقد موجب للفسخ مطلقاً قبل البناء وبعده كما في المتيطية وغيرها، فيقيد كلام الناظم بما إذا أقرت بعد العقد ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن ادعته أي الرضاع بعد العقد لم يندفع ولا تقدر على طلب المهر قبله أي قبل الدخول‏.‏

وَيُفْسَخُ النِّكاحُ بالعَدْليْنِ *** بِصِحَّةِ الإرْضاعِ شاهِدَيْنِ

‏(‏ويفسخ النكاح‏)‏ فعل ونائبه ‏(‏بالعدلين‏)‏ يتعلق بيفسخ ‏(‏بصحة الإرضاع‏)‏ يتعلق بالحال الذي هو قوله ‏(‏شاهدين‏)‏‏.‏

وِبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا *** مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قد فَشا وعُلما

‏(‏وباثنتين‏)‏ معطوف على العدلين ‏(‏إن يكن‏)‏ شرط ‏(‏قولهما‏)‏ اسم يكن ‏(‏من قبل عقد‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏قد فشا وعلما‏)‏ معطوف على فشا، والجملة من فشا ومتعلقه ومعطوفه خبر يكن، ويجوز أن يكون المجرور متعلقاً باسم يكن ويجوز أن يكون خبرها وجملة فشا في محل نصب على الحال من الاستقرار في الخبر‏.‏

ورجُلٍ وامْرَأةٍ كَذا وَفي *** واحِدَةٍ خُلْفٌ وفي الأوْلَى اقْتُفِي

‏(‏ورجل وامرأة‏)‏ بالجر معطوفان على العدلين ‏(‏كذا‏)‏ في موضع الصفة أي كائنين كذا أي فاشياً من قولهما أيضاً، ويجوز أن يكون رجل مبتدأ على حذف مضاف أي وشهادة رجل وامرأة كائنة كذلك في إيجاب الفسخ‏.‏ ‏(‏وفي واحدة‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏خلف وفي الأولى‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الواو يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏اقتفي‏)‏ والجملة استئنافية، ومعنى اقتفي اتبع‏.‏

والحاصل أن الرضاع يثبت بعدلين ويفسخ النكاح بهما اتفافاً وإن لم يفش من قولهما قبل العقد وبامرأتين وبرجل مع امرأة بشرط الفشو في هاتين الصورتين اتفاقاً أيضاً لا بدون فشو فلا يفسخ ولا يثبت بهما الرضاع فيهما على المعتمد، وإن كان فيه خلاف قوي، وأما المرأة الواحدة فمع عدم الفشو لا يثبت اتفاقاً ومع الفشو فيها قولان‏.‏ عدم الثبوت وهو لابن حبيب عن ابن القاسم، والثاني يثبت ويفسخ بذلك النكاح وهو في المدونة‏.‏ ابن فتوح‏:‏ وهو أظهر نقل ذلك ابن سلمون ‏(‏خ‏)‏‏:‏ لا بامرأة ولو فشا وندب التنزه مطلقاً الخ‏.‏ ثم إنه لا تشترط العدالة مع الفشو على الراجح إذ هو قول ابن القاسم من روايته عن مالك ويبقى النظر في الرجل الواحد إذا حصل من قوله فشو قبل العقد فإنه أقوى من المرأة مع الفشو فيقتضي ذلك ثبوت الرضاع به قاله ابن رحال قال‏:‏ ولم أقف فيه على شيء بعد البحث عنه‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ يثبت الرضاع أيضاً بالسماع الفاشي بإقرار أحد الزوجين قبل العقد قاله القلشاني‏.‏ وتقدم أول الفصل الذي قبل هذا وفي فصل شهادة السماع أن الرضاع مما يثبت بالسماع‏.‏ وإن لم يكن عن الثقات، لكن إنما يعمل به قبل العقد وإلاَّ فلا إن أنكر الزوج لقولهم لا ينزع به من يد حائز وهذا هو الظاهر فانظره هناك‏.‏

الثاني‏:‏ في المتيطية عن ابن القاسم في المبسوط‏:‏ أن شهادة المرأتين بالرضاع عاملة سواء قامتا حين علمتا بالنكاح أو بعد ذلك‏.‏ وقال ابن نافع‏:‏ لا تقبل إلا أن يقوما عند النكاح وأما بعد طول فلا‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الثاني هو الجاري على قول ‏(‏خ‏)‏ وفي محض حق الله تجب المبادرة بالإمكان إن استديم تحريمه كعتق ووقف وطلاق ورضاع الخ‏.‏ قال في المتيطية، إثر ما مر‏:‏ وأداء المرأتين لا يكون إلا معاً ولا يجوز بافتراقهما لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتذكر إحداهما الأخرى ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 282‏)‏ ولا يذكرك إلا من حضرك قاله أبو محمد، ورده بعض الموثقين بأنه قد يتأتى التذكير قبل الأداء ثم يفرقان عنده، وقيل معنى تذكر إحداهما الأخرى تصيرها في الشهادة كذكر اه‏.‏

فصل في عيوب الزوجين وما يردان به

هو من عطف الخاص على العام إذ من العيوب ما لا رد به، ثم إن موجبات الخيار في النكاح ثلاثة‏:‏ اثنان يستوي فيهما الرجل والمرأة وهما العيب والغرور بالحرية، وواحد يختص بالمرأة وهو عتق الأمة تحت زوجها العبد وقد نظمها بعضهم فقال‏:‏

عيب غرور سبب الخيار في *** تناكح كذاك عتق فاعرف

فأشار الناظم للعيوب المشتركة بقوله‏:‏

مِنَ الجُنُونِ والجُذامِ والبَرَصْ *** والدَّاءُ في الفَرْجِ الخِيارُ يُقْتَنَصْ

‏(‏من الجنون والجذام والبرص والداء في الفرج‏)‏ يتعلق بمحذوف حال مما قبله يليه ‏(‏ الخيار‏)‏ مبتدأ ‏(‏يقتنص‏)‏ بالبناء للمفعول خبره والمجرور وما عطف عليه يتعلق به، ومعنى يقتنص يثبت ويحصل وشمل كلامه الرجل والمرأة فإن للسالم الخيار في الآخر، بل ظاهره أن لكل منهما الخيار، وإذا اختار السالم الفراق فيؤجل المعيب للدواء على التفصيل الآتي ثم بعد مضيه يفرق بينهما، وظاهره ولو كان كل منهما معيباً بعيب صاحبه أو بغيره وهو كذلك على ما في ‏(‏ح‏)‏ عن الرجراجي، والذي للخمي أن كلاًّ من الزوجين إذا اطلع على عيب بصاحبه مخالف لعيبه كجنونه وبرصها مثلاً والعكس، فلكل منهما الخيار وإن كان موافقاً كبرصهما معاً أو جنونهما معاً كان له الخيار دونها لأنه بذل صداقاً لسالمة، فوجد ما يكون صداقها دون ذلك اه‏.‏ وقوله في الفرج أي فرج الرجل وفرج المرأة، وسيأتي أن داء فرج الرجل الجب والعنة والخصاء والاعتراض، وداء فرج المرأة الرتق والقرن والعفل والإفضاء‏.‏ وبقي عليه من عيوب الفرج العذْيَطة بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة تحت والطاء المهملة هي حدوث الغائط عند الجماع ومثله البول عنده أيضاً وهي من عيوب الفرج المشتركة بينهما ولا يشتركان في عيب فرج غيرهما وأفهم قوله عند الجماع أنه إن كان أحدهما يبول أو يغيط في الفراش لا عند الجماع لا يرده الآخر بذلك وهو كذلك على المعتمد من أحد قولين، واقتصر عليه في الكراس السادس من أنكحة المعيار‏.‏

بَعْدَ ثُبوتِ العَيْبِ أَوْ إقْرَارِ *** به وَرَفْعِ الأمْرِ في المُخْتارِ

‏(‏بعد‏)‏ يتعلق بمحذوف حال من نائب فاعل يقتنص ‏(‏ثبوت عيب‏)‏ كل منهما مضاف إليه ‏(‏ أو إقرار‏)‏ معطوف على مقدر أي ببينة أو إقرار ‏(‏به‏)‏ يتعلق بإقرار وضميره للعيب ‏(‏ ورفع الأمر‏)‏ معطوف على ثبوت أي بعد ثبوت العيب ببينة أو إقرار وبعد رفع الأمر للحاكم ومحل ثبوته بالإقرار إن كان يصح إقراره لا نحو محجور عليه، ويعرف الجذام والبرص بنظر الأطباء إليهما ما لم يكونا في العورة فيصدقان في نفيه، وقيل‏:‏ ينظر الرجال للرجل والنساء للمرأة‏.‏ ابن هارون‏:‏ ولو أنها خالفته في وجود العيب بها فإن كان ظاهراً مثل الجذام والبرص بوجهها وكفيها فإنه يثبت بالرجال وإن كان في سائر بدنها أثبته النساء وإن كان في فرجها فقال ابن القاسم وابن حبيب‏:‏ تصدق في ذلك ولا ينظرها النساء‏.‏ قال ابن الهندي وغيره‏:‏ تصدق مع يمينها ولها رد اليمين على الزوج، وقال ابن سحنون عن أبيه‏:‏ ينظر إليها النساء في عيب الفرج‏.‏ ابن فتحون في وثائقه‏:‏ إن نظر الرجال إلى عيوب عورة الرجل جائز للضرورة كما ينظر النساء إلى المرأة اه‏.‏ وقد حكى البرزلي في النكاح عن ابن علوان أحد مفتي تونس أنه أتته امرأة تزوجها أندلسي وأساء عشرتها وعسر عليها التخلص منه فقال لها‏:‏ ادّعي عليه أن داخل دبره برصاً فادعت ذلك عليه فحكم عليه بأن ينظره الرجال في ذلك المحل، فلما رأى الزوج ذلك طلقها اه‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا القول جرى العمل قال ناظمه‏:‏

وجاز للنسوة للفرج النظر *** من النساء إن دعا له ضرر

فلا مفهوم للنسوة كما مر وما مر من أن العيب إذا كان بغير الفرج ينظر إليه الأطباء أعني النساء للنساء والرجال للرجال، وقيل‏:‏ إذا كان العيب في المرأة فإن الثوب يشق عنه حتى ينظر إليه الأطباء‏.‏ انظر المفيد‏.‏ وهذا في غير العذيطة وأما هي فقد نزلت في زمن أحمد بن نصر ورمى كل واحد منهما صاحبه فأمر أن يطعم أحدهما تيناً والآخر فقوساً‏.‏ فإذا ثبت أن العيب قبل العقد ولم يبق فيه مقال خير السالم من الزوجين فإن اختارت الزوجة فراقها طلقها الحاكم عليه ولا يفوض ذلك إليها‏.‏ ‏(‏في‏)‏ القول ‏(‏المختار‏)‏ وأما إن حدث بعد العقد فسيأتي، ومقابل المختار أن القاضي يفوض ذلك إليها، وتقدم تحرير ذلك في فصل الضرر‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ قال البرزلي إثر ما مر عنه بأوراق‏:‏ إذا شهد رجلان من الأطباء أحدهما ذمي أن بجسم الزوج برصاً لا يشكان فيه فالذي في المدونة قبول ذلك لأن ذلك علم مقتبس ولا يجري مجرى الشهادة، ولكن ليس ذلك مطلقاً إذا قدر على تحصيل ما هو أثلج للصدر، فينبغي أن يؤمر العدول باختبار هذا هل فيه رائحة أم لا‏؟‏ فإن قالوا لا رائحة امتحن موضعه برأس إبرة فإن تغير واحمر لونه ودمي فليس برصاً ولا مقال للزوجة ولا أعلم وجهاً أوثق من هذا وما في الزمان طبيب انظر تمامه‏.‏

الثاني‏:‏ قال البرزلي، إثر ما مر عن ابن علوان ما نصه‏:‏ وكان يعني ابن علوان كثير التحيل في بعض المسائل فمن ذلك ما حكي عنه أن امرأة وصي على أولادها من قبل أبيهم فضيق عليها أولياء الزوج وأقاموا عليها البينة أنها سفيهة لا تصلح للتقديم فأتت إليه فقال لها‏:‏ إذا قدموك غداً للقاضي فاعترفي لهم بذلك وقولي لهم‏:‏ إني أتلفته في أيام السفه ففعلت ذلك فسرحها القاضي لذلك‏.‏ قال البرزلي‏:‏ وهذا التحيل إن كان ثبت عنده في هذه وفي التي قبلها أنها مظلومة فهو سائغ من باب الإنفاذ من المظلمات وإلاَّ فالصواب أنه لا يجوز لأنه من باب تلقين الخصوم القادح في العدالة قال‏:‏ وهذه الطريقة معروفة لأبي حنيفة الإمام المشهور، فمن ذلك ما حكى ابن رشد عنه أنه حضر بيعة لبعض الملوك وأظنه أبا جعفر فقال أبو حنيفة لأصحابه‏:‏ أنا لا أبايعه فاحضروه وأجلسه الأمير إلى جنبه، فلما بايعه الناس قال هو في بيعته‏:‏ أبايعك حتى تقوم الساعة على قصد المبالغة فيما أوهمه ولما خلا به أصحابه قالوا له في ذلك فقال‏:‏ ما بايعته وإنما أردت بقولي حتى تقوم الساعة لحاجة أو غيرها من ضرورياته فانظر فيه بقية التحيلات المحكية عنه‏.‏

ولما أجمل الناظم رحمه الله في داء الفرج أشار إلى تفصيله بالنسبة للزوجة فيما يأتي بقوله‏:‏ والرتق داء الفرج في النساء الخ‏.‏ وإلى تفصيله بالنسبة للزوج ههنا فقال‏:‏

وداءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بالقَضاءِ *** كالجَبِّ والعُنَّةِ والخِصاءِ

‏(‏وداء فرج الزوج‏)‏ مبتدأ ومضافان ‏(‏بالقضاء‏)‏ بمعنى المفعول صفة لداء والباء زائدة أي‏:‏ وداء فرج الزوج المقضى عليه بالخيار لأجله كائن ‏(‏كالجب والعنة والخصاء‏)‏ ويحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف صفة للمبتدأ المذكور أي‏:‏ وداء فرج الزوج الموجب للخيار بالقضاء الخ‏.‏ والجب قطع الذكر والأنثيين معاً أو خلق بدونهما، والعنين لغة هو الذي لا يشتهي النساء وشرعاً من له ذكر صغير كالزر ويطلق أيضاً على الذي لا ينتشر ذكره وهو المعترض، وسيأتي، والخصي مقطوع الذكر أو الأنثيين، ولو كان قائم الذكر حيث كان لا يمني، فإن أمنى فلا خيار لها، ومثل قطع الذكر كله قطع حشفته فقط على الراجح كما في شراح المتن فإن قيل‏:‏ إذا ثبت الخيار في الخصاء الذي هو قطع أحدهما فأحرى أن يثبت في الجب الذي هو قطعهما معاً فالخصاء يغني عن الجب‏.‏ فالجواب‏:‏ أن المقصود بيان معاني هذه الألفاظ قاله في ضيح، والحصور الذي يخلق بغير ذكر أو بذكر صغير كالزر، ومحل الخيار بهذه الأمور إذا حدث ذلك قبل البناء وإلاَّ فهو مصيبة نزلت بها كما يأتي في الاعتراض‏.‏

وَذَاكَ لا يُرْجَى لهُ زَوَالُ *** فَلَيْسَ في الحُكْمِ بِهِ إمْهالُ

‏(‏وذاك‏)‏ مبتدأ والإشارة للداء الشامل لللأمور الثلاثة ‏(‏لا يرجى‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏له‏)‏ يتعلق بالنائب الذي هو ‏(‏زوال‏)‏ والجملة خبر المبتدأ ‏(‏فليس‏)‏ فعل ناقص ‏(‏للحكم‏)‏ خبرها مقدم ‏(‏به‏)‏ يتعلق بالحكم ‏(‏إمهال‏)‏ اسمها مؤخر أي تأجيل بل لها الطلاق في الحين إلا أن ترضى بالمقام معه‏.‏

وحَيْثُ عَيْبُ الزَّوْجِ بِاعْتِراضِ *** أوْ بَرَصٍ وَقِيم عِنْدَ القَاضِي

‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط ‏(‏عيب الزوج‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه ‏(‏باعتراض‏)‏ يتعلق بمحذوف خبر ‏(‏أو برص‏)‏ معطوف ‏(‏وقيم‏)‏ مبني للمفعول ‏(‏عند القاضي‏)‏ نائبه، والجملة معطوفة على الجملة قبلها وجملة‏.‏

أَجَّلَهُ إلى تَمَامِ عَامِ

كذاكَ في الجُنُونِ والجُذَامِ ‏(‏أجله‏)‏ القاضي ‏(‏إلى تمام عام‏)‏ جواب حيث، والمعنى أن عيب الزوج إذا كان اعتراضاً وحدث قبل الإصابة أو برصاً حدث بعد العقد أو قبله فإن القاضي يؤجله سنة كاملة من يوم الحكم على المشهور، وأما الاعتراض بعد الإصابة ولو مرة فلا خيار لها، وذلك مصيبة نزلت بها كما يأتي‏.‏

تنبيه‏:‏

وكذا تؤجل المرأة ذلك في معالجة نفسها من البرص والجنون والجذام إذا لم يعلم الزوج أن ذلك بها حين العقد، بل علمه قبل البناء أو بعده فإن تنازعا في العلم به بعيبها وقد مضى لدخوله نحو الشهر فالقول لها بيمينها أنه علم به إلا أن يكون مثله يخفى على الزوج‏.‏ انظر المتيطية والوثائق المجموعة‏.‏

‏(‏كذاك‏)‏ يتعلق بأجل محذوف دل عليه ما قبله ‏(‏في الجنون والجذام‏)‏ يتعلق بذلك المحذوف‏.‏

وبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلاقِ *** إنْ عُدِم البُرءُ على الإطْلاقِ

‏(‏وبعد ذا‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏يحكم‏)‏ وكذا ‏(‏بالطلاق‏)‏ والجملة معطوفة على جملة أجله ‏(‏إن عدم‏)‏ شرط حذف جوابه للدلالة عليه ‏(‏البرء‏)‏ نائب فاعل عدم ‏(‏على الإطلاق‏)‏ حال أي حال كون الحكم بالطلاق بعد السنة في العيوب الأربعة مطلقاً سواء رجى البرء بعد ذلك أم لا‏.‏ ويحتمل حال كون التأجيل مطلقاً في الحادث والقديم‏.‏ هذا هو الظاهر وليس المعنى حال كون التأجيل بالسنة مطلقاً رجى البرء أم لا‏.‏ لأن المعتمد أنه إنما يؤجل في البرص والجذام عاماً إذا رجى البرء ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده وبجنونهما وإن مرة في الشهر قبل الدخول وبعده وأجلا فيه وفي برص وجذام رجى برؤهما سنة الخ‏.‏ ثم قال‏:‏ وأجل المعترض سنة الخ‏.‏ فأنت تراه قيد الجذام بالبين أي المحقق والبرص بالمضر والتأجيل برجاء البرء خلاف ظاهر النظم في ذلك كله، لكن العذر له في الجذام حيث لم يقيده بالبين لأن المراد بالبين المحقق وهو لا يثبت إلا بعد تحققه والقطع به إذ لا فرق بين قليله وكثيره كما في المتيطية قال فيها‏:‏ واختلف في قليل البرص فقال مالك في كتاب محمد‏:‏ ترد به لأن عمر لم يفرق بين قليل ولا كثير‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولو علمنا فيما خف أنه لا يتزايد لم ترد، لكنه لم يعلم، وفي مختصر ابن شعبان أن من به برص أو جذام من الزوجين يرد به لأنه يخشى أن يترامى إلى الصحيح، ولأنه لا تطيب نفس الواطىء والموطوءة وقلّ أن يسلم منه ما ولد منهما وإن سلم كان ذلك في نسله قال اللخمي‏:‏ وعلى هذا له الرد إذا اطلع أن أحد الأبوين كان كذلك لأنه يخشى أن يكون ذلك في نسله قال‏:‏ ورأيت ذلك في امرأة كان أبوها أجذم ولم يظهر بها وظهر ذلك في عدد من أولادها اه بلفظ الاختصار‏.‏ فهو شاهد لإطلاق الناظم، لكن المعتمد أن جذام الأبوين لا رد به كما في ‏(‏خ‏)‏‏:‏ كما أن المعتمد أنه لا بد في البرص الحادث من كونه مضراً كما مر عنه أيضاً، ولعل الناظم إنما ترك تقييد البرص بكونه مضراً اتكالاً على ما يأتي في قوله‏:‏ إلا حدوث من برص منزور الخ‏.‏

والعَبْدُ في الأصَحِّ كالأحْرارِ *** وقيلَ بِالتَشْطِيرِ كالظِّهارِ

‏(‏والعبد‏)‏ مبتدأ ‏(‏في الأصح‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو قوله‏:‏ ‏(‏ كالأحرار وقيل‏)‏ فعل ماض مبني للمفعول ‏(‏بالتشطير‏)‏ نائبه أي يؤجل ستة أشهر ‏(‏ كالظهار‏)‏ خبر مبتدأ محذوف والأقرب أنه حال أي حال كون التشطير كتشطير أجل الظهار أي‏:‏ إذا ظاهر العبد من زوجته وأبى أن يكفر ولحقه الإيلاء فإنه يؤجل بشهرين، وقيل أربعة أشهر كالحر، وما صدر به الناظم هو قول ابن الجهم قال ابن عبد البر‏:‏ وروي عن مالك نحوه وعليه جمهور الفقهاء اللخمي‏:‏ وهو أبين لأن السنة جعلت لتختبر في الفصول الأربعة فقد ينفع الدواء في فصل دون فصل فيستوي في ذلك الحر والعبد، والقول الثاني هو قول مالك، وبه الحكم قاله في المتيطية وبه أفتى ‏(‏خ‏)‏ والعبد نصفها الخ‏.‏

وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ *** في هذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ

‏(‏وكالرجال‏)‏ خبر مقدم عن قوله ‏(‏أجل النساء في هذه‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏ الثلاثة‏)‏ صفة أو بدل ‏(‏الأدواء‏)‏ جمع داء بدل أيضاً، والمراد الجنون والجذام والبرص ولا يتصور فيهن الاعتراض فيؤجلن في التداوي من تلك الأمراض الثلاثة سنة كاملة، لكن في الموجود منها قبل العقد، أما ما حدث بعده فمصيبة نزلت بالزوج كما يأتي في قوله‏:‏ وهو لزوج آفة من بعده الخ‏.‏

وفي سِواها لا يكُونُ الأجَلُ *** لَهُنَّ إلاّ ما يَرى المؤَجِّلُ

‏(‏وفي سواها‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏لا يكون الأجل‏)‏ اسمها ‏(‏لهن‏)‏ يتعلق بما قبله ‏(‏إلا‏)‏ استثناء مفرغ ‏(‏ما‏)‏ نكرة موصوفة خبر يكون ‏(‏يرى‏)‏ صفة لما والعائد محذوف أي يراه ‏(‏المؤجل‏)‏ بكسر الجيم المشددة فاعل يرى، والتقدير‏:‏ ولا يكون لهن أجل محدود في سواها إلا أجلاً يراه المؤجل أي الحاكم باجتهاده، والمراد بسوى العيوب الثلاثة داء فرج المرأة من رتق وقرن وعفل الآتية في قوله‏:‏ والرتق داء الفرج في النساء الخ‏.‏ أي فيؤجلهن الحاكم للتداوي بالاجتهاد ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد‏.‏ وقد تحصل أن العيوب بالنسبة إلى التأجيل وعدمه على ثلاثة أقسام قسم لا تأجيل فيه وهو الجب وما معه، وقسم يؤصل فيه بسنة وهو الاعتراض وما معه، وقسم يؤجل فيه بالاجتهاد وهو الرتق وما معه‏.‏

ويُمنَعُ الْمَبْرُوصُ والمجْذُومُ مِنْ *** بِنَائِهِ وذو الجُنُونِ فاسْتَبِنْ

‏(‏ويمنع‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏المبروص‏)‏ نائب ‏(‏والمجذوم‏)‏ معطوف ‏(‏من بنائه‏)‏ يتعلق بيمنع ‏(‏وذو الجنون‏)‏ معطوف على المبروص ‏(‏فاستبن‏)‏ جملة طلبية تتميم للبيت، والمعنى أن من به علة من الرجال من هذه الأمراض الثلاثة إذا أصل للدواء كما مر فطلب البناء بزوجته أثناء الأجل قبل تبين برئه فإنه يمنع من ذلك ولا يمكن منه حتى يبرأ أو تخير هي إن لم يبرأ وفهم من قوله‏:‏ من بنائه أنها اطلعت على عيبه قبل البناء فإن اطلعت عليه بعد البناء فكذلك أيضاً حيث كانت رائحة الجذام والبرص تؤذي‏.‏ قال في المتيطية‏:‏ ويمنع المجنون والأجذم والأبرص في خلل العام وإن كان بعد البناء إذا كانت الرائحة تؤذي بخلاف المعترض فإنه لا يمنع من وطئه وإن كان قد بنى بها اه‏.‏ ومثله في طرر ابن عات‏.‏

وإلى المعترض أشار الناظم بقوله‏:‏

وَذُو اعْتِراضٍ وحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا *** وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذا ما نُوزِعا

‏(‏وذو اعتراض‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه ‏(‏وحده‏)‏ حال من المبتدأ أو من الضمير في خبره ‏(‏ لن يمنعا‏)‏ بالبناء للمفعول خبر ‏(‏وهو‏)‏ مبتدأ ‏(‏مصدق‏)‏ خبره ‏(‏إذا‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه يتعلق بالخبر المذكور، وجوابه محذوف للدلالة عليه، ويحتمل أنها مجردة عن معنى الشرط أي هو مصدق حين نزاعه ‏(‏ما‏)‏ زائدة ‏(‏ نوزعا‏)‏ بالبناء للمفعول والجملة في محل جر بإضافة إذا ومعناه أن الزوج إذا ادعت عليه زوجته الاعتراض وأنكره من أصله فالقول قوله بيمينه ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصدق في الاعتراض أي نفيه وظاهره كالناظم أنه يصدق كانت الزوجة بكراً أو ثيباً وهو كذلك على المشهور‏.‏ وروي عن مالك أن النساء ينظرن إلى البكر ويدين في الثيب، وقيل لا يدين فيها، ولكن يطلي ذكره بزعفران ويرسل عليها وينظر ذلك النساء فإن رأين أثره في فرجها قبل قوله، وعلى المشهور فلا تقبل شهادة امرأتين فأكثر بأنها عذراء لأنها شهادة توجب الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء كما في الوثائق المجموعة، ونقله في التبصرة وابن عرفة‏.‏ وحينئذ فما جرى به العمل من جواز نظر النسوة للفرج محمول على غير هذه الصورة إذ لا فائدة له إلا الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء قاله في شرح العمليات‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في مسائل السياسة من التبصرة‏:‏ قال أصبغ في امرأة المقعد تدعي أنها تمكنه من نفسها وهو لا يقدر على مسها ويقر المقعد بأنه لا يمسها ويدعي أنها تدفعه عن نفسها ولولا ذلك لقوي على مسيسها قال‏:‏ استحسن السلطان أن يجعل في القرب منه إذا خلا بها امرأة أو نساء فإن سمعن امتناعها أمر بها فربطت له وشدت وزجرها، وأمرت أن تلين له في ذلك‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ وهو عندي حسن من الحكم اه‏.‏ ونحوه في ‏(‏ ح‏)‏ عند قوله‏:‏ وصدق في الاعتراض الخ‏.‏

قلت‏:‏ انظر قوله المقعد، والظاهر أنه لا مفهوم له بل غيره كذلك إذا ادعى عدم تمكينها ونزلت وقت ولايتي حطة القضاء سنة ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف في زوج ادعى عدم تمكينها وادعت هي اعتراضه، فذكرت للزوج وأوليائها ما تقدم من ربطها له وشدها فرجعا إلى الصلح بالخلع بجعل الصداق وافترقا، وقد كنت سنة ثمانية عشر مقيماً بمكناسة الزيتون فإذا بامرأة طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجت رجلاً ضعيفاً لا يشاكلها، فزعم الزوج المذكور أنها تدفعه عن نفسها وما مكنته إلا مرة بمقدار ما غيب حشفته فيها ودفعته وادعت هي أنه يؤذيها ويضربها إذا أمسك بها، فسكنهما القاضي مع أمين فذكر الأمين أنه مهما أراد النوم والتوطئة له إلا وتصرخ صراخاً مدعية أنه يؤذيها ويضربها وأن ذلك من حيلها لترجع للزوج الأول‏.‏

وإنْ يَقُلْ وطِئْتُ أَثْنَاءَ الأمَدْ *** فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مُعْتَمَدْ

‏(‏وإن يقل‏)‏ شرط وفاعله ضمير يعود على المعترض ‏(‏وطئت‏)‏ فعل وفاعل ‏(‏أثناء‏)‏ ظرف يتعلق بما قبله ‏(‏الأمد‏)‏ مضاف إليه ‏(‏فقوله‏)‏ مبتدأ ‏(‏مع اليمين‏)‏ يتعلق بمحذوف حال ‏(‏معتمد‏)‏ خبر، والجملة جواب الشرط‏.‏ ومعناه أن المعترض إذا أقر بالاعتراض وأجل للدواء سنة كما مرّ، ثم قال في أثناء الأجل أو بعده‏:‏ زال الاعتراض ووطئها في الأجل فالقول قوله بيمينه، فإن ادعى الوطء بعده لم يصدق فتحصل أن المعترض يصدق في نفي الاعتراض ابتداء كما يصدق في زواله بعد الإقرار به ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصدق إن ادعى فيها الوطء بيمينه فإن نكل حلفت وإلا بقيت‏.‏

وَتُمْنَعُ الإنْفاقَ مَنْ لَمْ تَدْخُلِ *** إنْ طلَبَتْهُ في خِلالِ الأجَلِ

‏(‏وتمنع‏)‏ بضم التاء مبنياً للمفعول ‏(‏الإنفاق‏)‏ مفعوله الثاني ‏(‏من‏)‏ نائب الفاعل وهو المفعول الأول ‏(‏لم تدخل‏)‏ صلة من ‏(‏إن طلبته‏)‏ شرط‏.‏ والضمير المنصوب للإنفاق والجواب محذوف للدلالة عليه ‏(‏في خلال الأجل‏)‏ يتعلق بالفعل قبله‏.‏ والمعنى أن الزوجة التي لا تجبر على الدخول إذا طلبت الإنفاق من زوجها المؤجل سنة للدواء فلا تمكن منه لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع وهي قد منعت نفسها منه لسبب لا قدرة للزوج على دفعه، فكان بذلك معذوراً بخلاف المعسر بالصداق الذي منعته زوجته من نفسها حتى يؤدي صداقها فلها النفقة إذ لعل له مالاً فكتمه، ومفهوم قوله‏:‏ لم تدخل أنه إذا دخل فالنفقة واجبة عليه وهو كذلك‏.‏ وقوله‏:‏ من لم تدخل أي من لم تجبر على الدخول وهي زوجة المجذوم والمبروص والمجنون كما مرّ فيفهم منه أن زوجة المعترض لها النفقة إذا دعته للدخول، وبالجملة فكل من زوجة المجنون والمجذوم والمبروص والمعترض تجب لها النفقة بالدخول أو بالدعاء له فإن منعت واحدة منهن نفسها من الدخول وأجل الزوج سنة للدواء فلا نفقة لها في الجنون والجذام والبرص، بخلاف الاعتراض‏.‏ فلها النفقة لأنها لا تمكن من الامتناع كما مر إلا أن لا يقدر الحاكم على جبرها فتسقط نفقتها حينئذ للنشوز واستظهار ‏(‏خ‏)‏‏:‏ عدم وجوب النفقة في الاعتراض مع القدرة على جبرها على التمكين معترض‏.‏

والعيْبُ في الرِّجالِ مِنْ قَبْلِ البِنا *** وبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنا

‏(‏والعيب‏)‏ مبتدأ ‏(‏في الرجال‏)‏ صفة له ‏(‏من قبل البنا‏)‏ ء يتعلق بمحذوف حال أي حال كونه موجوداً أو حادثاً من قبل البناء ‏(‏وبعده‏)‏ معطوف على الظرف قبله ‏(‏الرد‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏به‏)‏ يتعلق بالخبر الذي هو قوله ‏(‏تعينا‏)‏ وتعلق الظرفين بذلك المحذوف كما قررنا أولى من تعلقهما بقوله تعينا إذ المقصود أن العيب الموجود أو الحادث قبل البناء وبعده يتعين به الرد وحذف معمول تعين يؤذن بالعموم أي تعين الرد به قبل البناء وبعده أيضاً فحذفه من الثاني لدلالة الأول عليه، ولو قال تبينا بالباء والياء المثناة تحت لكان أولى لما يقتضيه لفظ التعيين من وجوب الرد وإن رضيت‏.‏ ومعناه أن العيب الكائن بالرجال سواء حدث بعد العقد أو كان موجوداً قبله أو حدث بعد البناء فإن للزوجة الرد به فقوله‏:‏ من قبل البناء شامل لما حدث قبل العقد أو بعده وقبل البناء لأن القبلية ظرف متسع وعليه فيكون قوله الآتي‏:‏ وبالقديم الزوج والكثير الخ‏.‏ مستغنى عنه بما هنا، ويحتمل أن يكون تكلم هنا على الحادث بعد العقد كان قبل البناء أو بعده وفيما يأتي على ما كان موجوداً قبل العقد، لكن يكون الصواب إسقاط قوله الآتي‏:‏ والحادث إلا أن يراد به ما كان حادثاً قبل العقد، ويراد بالقديم ما كان خلقة، وما ذكره الناظم هو الراجح من أحد أقوال أربعة‏.‏ / ثانيها‏:‏ لا خيار لها فيما حدث بعد العقد‏.‏ ثالثها‏:‏ لها الخيار إلا أن حدث به برص فتخير‏.‏ رابعها‏:‏ ليس لها الخيار إلا في البرص اليسير‏.‏

ولما دخل في قوله‏:‏ وبعده عيب الاعتراض الحادث بعد البناء والوطء وهو لا يرد به استثناء بقوله‏:‏

إلاّ اعْتِراضاً كان بعْدَ ما دَخَلْ *** والوَطْءِ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ

‏(‏إلا‏)‏ حرف استثناء ‏(‏اعتراضاً‏)‏ منصوب على الاستثناء والأقرب أنه على نزع الخافض، إذ المعنى ويرد الزوج بكل عيب إلا بعيب الاعتراض ‏(‏كان‏)‏ تامة بمعنى وجد وحدث وفاعله ضمير الاعتراض ‏(‏بعد‏)‏ يتعلق بكان ‏(‏ما‏)‏ مصدرية ‏(‏دخل‏)‏ صلتها أي بعد دخوله ‏(‏والوطء‏)‏ بالجر عطف على المصدر المؤول ‏(‏منه‏)‏ يتعلق بحصل ‏(‏هبه‏)‏ فعل أمر وضميره مفعوله الأول ‏(‏مرة‏)‏ تمييز ‏(‏ حصل‏)‏ في محل نصب على أنه مفعول ثان لهب، والتقدير إلا اعتراضاً حدث بعد دخوله وبعد وطئه هب أن الوطء حصل منه مرة واحدة فلا ردّ به وهي مصيبة نزلت بها، وهذا إذا لم يتسبب في إدخاله على نفسه كشربه دواء ليقطع به لذة النساء أو شربه لعلاج علة وهو عالم أو شاك أنه يذهب منه ذلك أو قطع ذكره عمداً أو لعلة نزلت به فإن لها الخيار باتفاق كما في ضيح، ومثل الاعتراض الجب والخصاء والكبر المانع من الوطء حيث لم يدخل ذلك على نفسه لأنه لم يقصد الإضرار بها، فلو قال‏:‏ إلا كجب الخ‏.‏ لشمل ذلك ونزلت مسألة وهي أن رجلاً كان يطأ زوجته وطأ معتاداً ثم إنه عرض له ما منعه الإيلاج بحيث إذا أراده سبقه الماء وزال إنعاظه فأفتيت فيها بما في النظم واختلف فيمن أراد استحداداً فترامت يده فقيل لها القيام، وقيل‏:‏ لا قيام لها لأنه لم يتعمد‏.‏ وظاهر كلامهم رجحانه وانظر ما يأتي في الإيلاء عند قوله‏:‏ واشترك التارك الموطء معه الخ‏.‏

وبالقدِيمِ الزَّوْجُ والكَثِيرِ *** يَرُدُّ والحادِثِ واليَسِيرِ

‏(‏وبالقديم‏)‏ يتعلق بيرد ‏(‏الزوج‏)‏ مبتدأ ‏(‏والكثير‏)‏ معطوف على القديم ‏(‏يرد‏)‏ بالبناء للمفعول خبر المبتدأ ‏(‏والحادث واليسير‏)‏ معطوفان على قوله‏:‏ القديم‏.‏ وهذا البيت مستغنى عنه إلا على الاحتمال الثاني المتقدم فلو حذفه وأبدل قوله‏:‏

إلاّ حَدِيثَ بَرَصٍ مَنْزورِ *** فَلاَ طَلاَقَ مِنْهُ فِي المَشْهُورِ

‏(‏إلا‏)‏ بقوله كذا ‏(‏حدوث برص منزور فلا طلاق منه في المشهور‏)‏ لأجاد، ويتحصل من كلامه أنه يستثنى من العيب الحادث بالزوج بعد العقد شيئان الاعتراض بعد الوطء والبرص اليسير فلا خيار فيهما للزوجة وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده لا بكاعتراض الخ‏.‏ فمفهوم قوله‏:‏ المضر أي المؤذي برائحته أن غير المضر لا خيار به وهو ما في النظم، ومفهوم قوله‏:‏ الحادثين بعده أي بعد العقد أن البرص القديم بالرجل يرد به قليلاً كان أو كثيراً، وهو ظاهر تعليل الناظم أيضاً لأنه إنما نفى خيارها في القليل الحادث بعد العقد، وقيل‏:‏ لا خيار لها في البرص القليل مطلقاً، وأما الجذام فلا فرق بين قليله وكثيره وإنما المدار على تحقق وجوده كما مرّ عند قوله‏:‏ كذاك في الجنون والجذام الخ‏.‏